الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كلام الإمام أحمد والشافعي على الزعم أن الله في كل مكان

السؤال

هل كان الخلاف في مسألة (أين الله؟) موجودًا زمن الشافعي والإمام أحمد؟ وهل ناظرا أحدًا بهذا الشأن؟ وهل وردت عنهما أقوال ثابتة الإسناد في هذه المسألة؟ وذلك لأن الخلاف البارز الذي حصل زمن الإمام أحمد كان في مسألة خلق القرآن، وقد أيد الله الحق بهذا الإمام، وانتهى الخلاف تقريبًا وحسم إلى يوم القيامة، لذلك فأظن أن شهادة هذا الإمام المبجل في هذه المسألة (أين الله؟) ستحسم الخلاف بين المنتسبين لأهل السنة الذين يعتبرون الإمام أحمد إمامًا لهم، وهم يخالفون مذهب السلف في المسألة عينها.
وكذلك أريد الآثار الواردة عن الشافعي رحمه الله بخصوص نفس الأمر، لأن فرقة الأحباش الضالة تزعم الانتساب إليه، ولا بد أن قولاً ثابتًا عن الشافعي في هذا الأمر سوف يكبتهم بإذن الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالكلام في مسألة (أين الله) كان موجودًا في عصر الإمام أحمد وقبله، والخلاف في ذلك من بدع الجهمية القديمة، وقد رد عليهم الإمام أحمد في رسالة (الرد على الجهمية والزنادقة) فكان مما قال: وإذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله حين زعم أن الله في كل مكان، ولا يكون في مكان دون مكان، فقل: أليس الله كان ولا شيء؟ فيقول: نعم. فقل له: حين خلق الشيء خلقه في نفسه أو خارجًا من نفسه؟ فإنه يصير إلى ثلاثة أقوال، لا بد له من واحد منها: إن زعم أن الله خلق الخلق في نفسه كفر، حين زعم أن الجن والإنس والشياطين في نفسه، وإن قال: خلقهم خارجًا من نفسه ثم دخل فيهم، كان هذا كفرًا أيضًا؛ حين زعم أنه دخل في كل مكان وحش قذر رديء، وإن قال: خلقهم خارجًا عن نفسه، ثم لم يدخل فيهم، رجع عن قوله كله أجمع، وهو قول أهل السنة. اهـ.

وقال الإمام الشَّافِعِي: معنى قوله في الكتاب: {مَن فِي السمَاء} مَنْ فوق السماء على العرش، كما قال: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) الآية، وكل ما علا فهو سماء والعرش أعلى السماوات، فهو على العرش ـ سبحانه وتعالى ـ كما أخبر بلا كيف، بائن من خلقه، غير مماس من خلقه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). اهـ.

ونقل الذهبي في كتاب (العلو) عن الإمام الشافعي قال: القول في السنة التي أنا عليها ورأيت عليها الذين رأيتهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأن الله على عرشه في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء، وينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء. اهـ.

وهذا يخالف عقيدة الأحباش، فإنهم ينفون علو الله تعالى بذاته على خلقه، ويقولون: الله موجود بلا مكان! وراجع عقيدتهم في ذلك وفي بقية الصفات، والرد عليهم، رسالة الدكتوراة للدكتور سعد الشهراني وهي بعنوان (فرقة الأحباش: نشأتها، عقائدها، آثارها).

وأما ظن السائل بأن النقل عن هؤلاء الإئمة سيحسم الخلاف، فليس في محله! فنصوص القرآن الكريم، والمتواتر من السنة، لم تمنع أهل البدع من بدعهم، فقد ولجوا من باب التأويل فحرفوا معانيها، حتى ما وافقوا فيه أهل السنة لفظًا فقد خالفوهم فيه حقيقة ومعنىً، ومثال ذلك مسألة (القرآن كلام الله غير مخلوق) التي قال عنها السائل: (انتهى الخلاف تقريبا وحسم إلى يوم القيامة)! فليس الأمر كذلك، فقد وافق أهل السنة على هذه العبارة طوائف، ثم خالفوهم في الحقيقة، وقالوا: إن كلام الله قديم قائم بذاته! وراجع في ذلك الفتويين التاليتين: 228991، 19390.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني