الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ءَأَمِنتُمْ مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ }

{ ءَأَمَنْتُمْ مَّن فِى ٱلسَّمَاء } وهو الله عز وجل كما ذهب إليه غير واحد، فقيل على تأويل من في السماء أمره سبحانه وقضاؤه يعني أنه من التجوز في الإسناد أو أن فيه مضافاً مقدراً وأصله من في السماء أمره فلما حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ارتفع واستتر. وقيل على تقدير خالق من في السماء وقيل في بمعنى على ويراد العلو بالقهر والقدرة، وقيل هو مبني على زعم العرب حيث كانوا يزعمون أنه سبحانه في السماء فكأنه قيل أأمنتم من تزعمون أنه في السماء وهو متعال عن المكان، وهذا في غاية السخافة فكيف يناسب بناء الكلام في مثل هذا المقام على زعم بعض زعم الجهلة كما لا يخفى على المنصف، أو هو غيره عز شأنه وإليه ذهب بعضهم فقيل أريد بالموصول الملائكة عليهم السلام الموكلون بتدبير هذا العالم، وقيل جبريل عليه السلام وهو الملك الموكل بالخسف. وأئمة السلف لم يذهبوا إلى غيره تعالى والآية عندهم من المتشابه وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم: " آمنوا بمتشابهه " ولم يقل أولوه فهم مؤمنون بأنه عز وجل في السماء على المعنى الذي أراده سبحانه مع كمال التنزيه وحديث الجارية من أقوى الأدلة لهم في هذا الباب وتأويله بما أول به الخلف خروج عن دائرة الإنصاف عند أولي الألباب.

وفي «فتح الباري» للحافظ ابن حجر أسند اللالكائي عن محمد بن الحسن الشيباني قال: اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب من غير تشبيه ولا تفسير. وأسند البيهقي بسند صحيح عن أحمد بن أبـي الحواري عن سفيان بن عيينة كل ما وصف الله تعالى به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عنه، وهذه طريقة / الشافعي وأحمد بن حنبل. وقال إمام الحرمين في «الرسالة النظامية» اختلف مسالك العلماء في هذه الظواهر فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن، وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الله عز وجل. والذي نرتضيه رأياً وندين الله تعالى به عقيدة اتباع سلف الأمة للدليل القاطع على أن إجماع الأمة حجة، فلو كان تأويل هذه الظواهر حتماً لأوشك أن يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الإضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع انتهى كلام الإمام. وقد تقدم النقل في ذلك عن أهل العصر الثالث وهم فقهاء الأمصار كالثوري والأوزاعي ومالك والليث ومن عاصرهم وكذا من أخذ عنهم من الأئمة فكيف لا يوثق بما اتفق عليه أهل القرون الثلاثة وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة عليه الصلاة والسلام انتهى كلام الحافظ على وجه الاختصار.

السابقالتالي
2